فصل: الجهل بالمطهّر وساتر العورة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


جهل

التّعريف

1 - الجهل لغة‏:‏ نقيض العلم‏.‏ يقال جهلت الشّيء جهلا وجهالة بخلاف علمته، وجهل على غيره سفه أو خطأ‏.‏

وجهل الحقّ أضاعه، فهو جاهل وجهل‏.‏ وجهّلته - بالتّثقيل - نسبته إلى الجهل‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو اعتقاد الشّيء على خلاف ما هو عليه، وهو قسمان‏:‏ بسيط ومركّب‏.‏

أ - الجهل البسيط‏:‏ هو عدم العلم ممّن شأنه أن يكون عالماً‏.‏

ب - الجهل المركّب‏:‏ عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع‏.‏

وقد سبق في مصطلح ‏"‏ جهالة ‏"‏ التّفرقة بين مصطلحي ‏(‏جهل وجهالة‏)‏ في استعمال الفقهاء لهما حيث يستعملون الجهل في حالة اتّصاف الإنسان به في اعتقاده أو قوله أو فعله، ويستعملون الجهالة في حالة اتّصاف الشّيء المجهول بها ‏(‏ر‏:‏ جهالة‏)‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّسيان‏:‏

2 - النّسيان لغة لفظ مشترك بين معنيين‏:‏

أحدهما‏:‏ ترك الشّيء عن ذهول وغفلة، وذلك خلاف الذّكر له‏.‏

والثّاني‏:‏ التّرك عن تعمّد ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تَنْسَوا الفَضْلَ بَينَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ لا تقصدوا التّرك والإهمال‏.‏ ونسيت ركعة أهملتها ذهولا، وقال الزّمخشريّ‏:‏ من المجاز نسيت الشّيء تركته‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ هو الغفلة عن معلوم في غير حال السّنّة، فلا ينافي الوجوب أي‏:‏ نفس الوجوب، لا وجوب الأداء‏.‏

قال القرافيّ‏:‏ النّسيان لا إثم فيه من حيث الجملة، بخلاف الجهل بما يتعيّن على الإنسان تعلّمه‏.‏ والنّسيان أيضا يهجم على العبد قهرا لا حيلة له في دفعه عنه، والجهل له حيلة في دفعه بالتّعلّم‏.‏ قال التّهانويّ‏:‏ وكذا الغفلة والذّهول والجهل البسيط بعد العلم يسمّى نسياناً‏.‏ قال الآمديّ‏:‏ إنّ الذّهول والغفلة والنّسيان عبارات مختلفة، لكن يقرب أن تكون معانيها متّحدة، وكلّها مضادّة للعلم، بمعنى أنّه يستحيل اجتماعها معه‏.‏

ب - السّهو‏:‏

3 - السّهو في اللّغة من سها يسهو سهواً‏:‏ أي غفل، والسّهوة‏:‏ الغفلة‏.‏

وفرّقوا بين السّاهي والنّاسي بأنّ النّاسي، إذا ذكّرته تذكّر، والسّاهي بخلافه‏.‏

وفي الاصطلاح قال التّهانويّ‏:‏ ويقرب منه أي من ‏(‏الجهل‏)‏ السّهو وكأنّه جهل بسيط سببه عدم استثبات التّصوّر حتّى إذا نبّه السّاهي أدنى تنبيه تنبّه‏.‏

أقسام الجهل

ينقسم الجهل إلى قسمين‏:‏

أوّلاً - الجهل الباطل الّذي لا يصلح عذراً‏:‏

4 - وهذا القسم لا يصلح أن يكون عذرا في الآخرة وإن كان قد يصلح عذراً في أحكام الدّنيا كقبول عقد الذّمّة من الذّمّيّ حتّى لا يقتل، ولكن لا يكون عذرا في الآخرة حتّى أنّه يعاقب فيها‏.‏ ومن أمثلة ذلك جهل الكفّار بصفات اللّه تعالى وأحكام الآخرة، فإنّه لا يصلح عذراً أصلاً، لأنّه مكابرة وعناد بعد وضوح الدّلائل على وحدانيّة اللّه تعالى وربوبيّته، بحيث لا يخفى على أحد من حدوث العالم المحسوس، وكذا على حقّيّة الرّسول من القرآن وغيره من المعجزات‏.‏ وكذا جهل صاحب الهوى الّذي يقول بحدوث صفات اللّه تعالى، أو يقول بعدم إثبات صفة له سبحانه‏.‏

هذا ما قاله الحمويّ، وقال الزّركشيّ‏:‏ الجهل بالصّفة هل هو جهل بالموصوف مطلقاً أو من بعض الوجوه‏؟‏ المرجّح الثّاني، لأنّه جاهل بالذّات من حيث صفاتها لا مطلقاً، ومن ثمّ لا نكفّر أحدا من أهل القبلة‏.‏

ومن هذا القسم أيضاً جهل من خالف في اجتهاده الكتاب أو السّنّة المشهورة أو الإجماع، أو عمل بالغريب على خلاف الكتاب أو السّنّة المشهورة فإنّه ليس بعذر أصلاً‏.‏

ثانياً - الجهل الّذي يصلح عذراً‏:‏

5 - الجهل الّذي يصلح أن يكون عذرا هو الجهل الّذي يكون في موضع الاجتهاد الصّحيح، بأن لا يكون مخالفا للكتاب أو السّنّة أو الإجماع، وذلك كالمحتجم إذا أفطر على ظنّ أنّ الحجامة مفطرة لا تلزمه الكفّارة، لأنّ جهله في موضع الاجتهاد الصّحيح‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجامة‏)‏‏.‏

ومن الجهل الّذي يصلح عذراً، الجهل بالشّرائع في دار الحرب يكون عذرا من مسلم أسلم فيها ولم يهاجر، حتّى لو مكث فيها ولم يعلم أنّ عليه الصّلاة والزّكاة وغيرهما ولم يؤدّها لا يلزمه قضاؤها خلافا لزفر لخفاء الدّليل في حقّه، وهو الخطاب لعدم بلوغه إليه حقيقة بالسّماع وتقديرا بالشّهرة، فيصير جهله بالخطاب عذراً‏.‏

بخلاف الذّمّيّ إذا أسلم في دار الإسلام لشيوع الأحكام والتّمكّن من السّؤال‏.‏

قال السّيوطيّ‏:‏ كلّ من جهل تحريم شيء ممّا يشترك فيه غالب النّاس لم يقبل منه دعوى الجهل إلاّ أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزّنى، والقتل، والسّرقة، والخمر، والكلام في الصّلاة، والأكل في الصّوم‏.‏

وقال الزّركشيّ‏:‏ لو شهدا بقتل ثمّ رجعا وقالا تعمّدنا، لكن ما عرفنا أنّه يقتل بشهادتنا فلا يجب القصاص في الأصحّ، إذ لم يظهر تعمّدهما للقتل، لأنّ ذلك ممّا يخفى على العوّام‏.‏ ومن هذا القبيل أعني الّذي يقبل فيه دعوى الجهل مطلقاً لخفائه كون التّنحنح مبطلاً للصّلاة، أو كون القدر الّذي أتى به من الكلام محرّماً، أو النّوع الّذي تناوله مفطراً، فالأصحّ في الصّور الثّلاث عدم البطلان‏.‏ ولا تقبل دعوى الجهل في الأمور المشتهرة بين النّاس كثبوت الرّدّ بالعيب، والأخذ بالشّفعة من رجل قديم الإسلام، بخلاف ما لا يعرفه إلاّ الخواصّ‏.‏

6- هذا ويعقد الأصوليّون من الحنفيّة بابا لعوارض الأهليّة، ويجعلون الجهل من العوارض المكتسبة، وقد قسّم صاحب مسلّم الثّبوت الجهل إلى أنواع هي‏:‏

الأوّل‏:‏ الجهل الّذي يكون من مكابرة العقل وترك البرهان القاطع وهو جهل الكافر، لا يكون عذرا بحال، بل يؤاخذ به في الدّنيا والآخرة‏.‏

الثّاني‏:‏ الجهل الّذي يكون عن مكابرة العقل وترك الحجّة الجليّة أيضا، لكن المكابرة فيه أقلّ منها في الأوّل، لكون هذا الجهل ناشئاً عن شبهة منسوبة إلى الكتاب أو السّنّة‏.‏

وهذا الجهل للفرق الضّالّة من أهل الأهواء، وهذا الجهل لا يكون عذراً، ولا نتركهم على جهلهم، فإنّ لنا أن نأخذهم بالحجّة لقبولهم التّديّن بالإسلام‏.‏

الثّالث‏:‏ جهل نشأ عن اجتهاد ودليل شرعيّ لكن فيما لا يجوز فيه الاجتهاد بأن يخالف الكتاب أو السّنّة المشهورة أو الإجماع‏.‏

وحكمه‏:‏أنّه وإن كان عذراً في حقّ الإثم لكن لا يكون عذراً في الحكم حتّى لا ينفذ القضاءبه‏.‏

الرّابع‏:‏ جهل نشأ عن اجتهاد فيه مساغ كالمجتهدات وهو عذر ألبتّة وينفذ القضاء على حسبه‏.‏

الخامس‏:‏ جهل نشأ عن شبهة وخطأ كمن وطئ أجنبيّة يظنّ أنّها زوجته، وهذا عذر يسقط الحدّ‏.‏

السّادس‏:‏ جهل لزمه ضرورة بعذر وهو أيضا عذر يسقط به الحدّ، كجهل المسلم في دار الحرب أحكام الإسلام فلا يحدّ بالشّرب‏.‏ وتفصيله في الملحق الأصوليّ‏.‏

الجهل بالتّحريم مسقط للإثم والحكم في الظّاهر

7 - الجهل بالتّحريم مسقط للإثم والحكم في الظّاهر لمن يخفى عليه لقرب عهده بالإسلام ونحوه، فإن علمه وجهل المرتّب عليه لم يعذر‏.‏

ولهذا لو جهل تحريم الكلام في الصّلاة عذر، ولو علم التّحريم وجهل الإبطال بطلت‏.‏

وإن علم أنّ جنس الكلام يحرم ولم يعلم أنّ التّنحنح والمقدار الّذي نطق به محرّم فمعذور في الأصحّ‏.‏ وقد ذكر الزّركشيّ هنا تنبيهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّ هذا لا يختصّ بحقوق اللّه تعالى، بل يجري في حقوق الآدميّين، ففي تعليق القاضي حسين‏:‏ لو أنّ رجلاً قتل رجلاً وادّعى الجهل بتحريم القتل وكان مثله يخفى عليه ذلك يقبل قوله في إسقاط القصاص وعليه الدّية مغلّظة، قال الزّركشيّ‏:‏ وفيما قاله القاضي نظر قويّ‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ إعذار الجاهل من باب التّخفيف لا من حيث جهله‏.‏

ولهذا قال الشّافعيّ‏:‏ لو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم، إذ كان يحطّ عن العبد أعباء التّكليف، ويريح قلبه من ضروب التّعنيف، فلا حجّة للعبد في جهله بالحكم بعد التّبليغ والتّمكين، ‏{‏لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏‏.‏

قال القاضي حسين‏:‏ كلّ مسألة تدقّ ويغمض معرفتها هل يعذر فيها العامّيّ‏؟‏ وجهان‏:‏ أصحّهما‏:‏ نعم‏.‏

الجهل بمعنى اللّفظ مسقط لحكمه

8 - إذا نطق الأعجميّ بكلمة كفر، أو إيمان أو طلاق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو نحوه، ولا يعرف معناه لا يؤاخذ بشيء منه، لأنّه لم يلتزم بمقتضاه، ولم يقصد إليه‏.‏

وكذلك إذا نطق العربيّ بما يدلّ على هذه العبارة بلفظ أعجميّ لا يعرف معناه، فإنّه لا يؤاخذ‏.‏ نعم‏.‏ لو قال الأعجميّ‏:‏ أردت به ما يراد عند أهله فوجهان‏:‏ أصحّهما‏:‏ كذلك، لأنّه لم يرده، فإنّ الإرادة لا تتوجّه إلاّ إلى معلوم أو مظنون، لأنّه إذا لم يعرف معنى اللّفظ لم يصحّ قصده‏.‏ ولو نطق العربيّ بكلمات عربيّة لكنّه لا يعرف معانيها في الشّرع، مثل قوله لزوجته‏:‏ أنت طالق للسّنّة أو للبدعة، وهو جاهل بمعنى اللّفظ، أو نطق بلفظ الخلع أو النّكاح، ففي القواعد للشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام أنّه لا يؤاخذ بشيء، إذ لا شعور له بمدلوله حتّى يقصده باللّفظ‏.‏ قال‏:‏ وكثيرا ما يخالع الجهّال من الّذين لا يعرفون مدلول لفظ الخلع ويحكمون بصحّته للجهل بهذه القاعدة‏.‏

من علم تحريم شيء وجهل ما يترتّب عليه

9 - كلّ من علم تحريم شيء وجهل ما يترتّب عليه لم يفده ذلك، كمن علم تحريم الزّنى والخمر وجهل وجوب الحدّ يحدّ بالاتّفاق، لأنّه كان حقّه الامتناع، وكذا لو علم تحريم القتل وجهل وجوب القصاص يجب القصاص، أو علم تحريم الكلام في الصّلاة، وجهل كونه مبطلا يبطل، أو علم تحريم الطّيب على المحرم وجهل وجوب الفدية تجب‏.‏

الجهل عذر في المنهيّات في حقوق اللّه تعالى

10 - الجهل عذر في حقّ اللّه تعالى في المنهيّات دون المأمورات، والأصل فيه حديث «معاوية بن الحكم لمّا تكلّم في الصّلاة، ولم يؤمر بالإعادة لجهله بالنّهي»‏.‏

وحديث يعلى بن أميّة‏:‏ حيث «أمر صلى الله عليه وسلم أعرابيّا بنزع الجبّة عنه وهو محرم، ولم يأمره بالفدية لجهله»‏.‏

واحتجّ به الشّافعيّ على أنّ من وطئ في الإحرام جاهلاً فلا فدية عليه‏.‏ والفرق بينهما من جهة المعنى أنّ المقصود من المأمورات إقامة مصالحها‏.‏ وذلك لا يحصل إلاّ بفعلها، والمنهيّات مزجور عنها بسبب مفاسدها امتحانا للمكلّف بالانكفاف عنها، وذلك إنّما يكون بالتّعمّد لارتكابها، ومع الجهل لم يقصد المكلّف ارتكاب المنهيّ، فعذر بالجهل فيه‏.‏

أمّا في حقوق الآدميّين فقد لا يعذر، كما لو ضرب مريضاً جهل مرضه ضرباً يقتل المريض يجب القصاص في الأصحّ‏.‏ بخلاف ما لو حبس من به جوع وعطش ولم يعلم بحاله مدّة لا يموت فيها الشّبعان عند الحبس فلا قصاص‏.‏

وكأنّ الفرق أنّ أمارات المرض لا تخفى بخلاف الجوع‏.‏

أحكام الجهل

للجهل أحكام خاصّة في الفقه الإسلاميّ نجملها فيما يلي‏:‏

جهل المرأة عادتها

11 - المرأة إذا جهلت عادتها لنسيان أو جنون ونحوهما ‏"‏ وهي المتحيّرة ‏"‏ سمّيت بذلك لتحيّرها في أمرها، وهي المستحاضة غير المميّزة‏.‏ لها ثلاثة أحوال، لأنّها إمّا أن تكون ناسية للقدر والوقت، أو للقدر دون الوقت، أو بالعكس‏.‏

وفي ذلك خلاف وتفصيل يذكره الفقهاء في ‏(‏حيض‏)‏‏.‏

الجهل بوقت الصّلاة

12 - من جهل الوقت لعارض كغيم، أو حبس وعدم ثقة يخبره به عن علم، اجتهد جوازا إن قدر على اليقين بالصّبر أو الخروج ورؤية الشّمس مثلا، وإلاّ فوجوباً بورد من قرآن، ودرس، ومطالعة وصلاة وغير ذلك‏.‏ وتفصيله في‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

الجهل بالنّجاسة في الصّلاة

13 - ذهب الجمهور إلى أنّ من صلّى حاملا نجاسة غير معفوّ عنها ولا يعلمها تبطل صلاته وعليه قضاؤها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّر‏}‏‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الطّهارة من الخبث ليست شرطاً في الصّحّة إلاّ حال الذّكر والقدرة على المشهور‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

الجهل بالمطهّر وساتر العورة

14 - إذا اختلط ماء طاهر بآخر نجس، ولم يعلم الطّاهر منهما، هل يجتهد ويتحرّى ويتطهّر ويصلّي أم يصلّي بالتّيمّم‏؟‏ في ذلك خلاف وتفصيل ينظر في مصطلحي‏:‏ ‏(‏ماء وصلاة‏)‏‏.‏ ومثله إذا اشتبهت عليه ثياب طاهرة بأخرى نجسة لم يجد غيرها، ولن يجد ما يطهّرها به واحتاج إلى الصّلاة فيجب عليه الاجتهاد والتّحرّي عند الجمهور، ويصلّي بما غلب على ظنّه طهارته‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

وينظر مصطلح اشتباه من الموسوعة ‏(‏ف / 13 ج /4 ص /294‏)‏‏.‏

الجهل بالقبلة

15 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ استقبال القبلة من شروط صحّة الصّلاة لقوله تعالى‏:‏

‏{‏فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏

ومن جهل القبلة يسأل من يعلمها، فإذا تعذّر السّؤال اجتهد‏.‏

على تفصيل ينظر في مصطلحي‏:‏ ‏(‏استقبال، واشتباه‏)‏‏.‏

الجهل بالفاتحة

16 - من جهل الفاتحة بأن لم يمكنه معرفتها لعدم معلّم أو مصحف أو نحو ذلك، أتى في الصّلاة ببدلها من القرآن الكريم، فإن لم يعلم شيئاً من القرآن، أتى بالذّكر بلسان عربيّ، لما روى أبو داود وغيره «أنّ رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّي لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلّمني ما يجزيني عنه‏.‏ فقال‏:‏ قل‏:‏ سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه»‏.‏ ولا يجزئ بالأعجميّة عند الجمهور، ويجزئ عند أبي حنيفة، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

الجهل بوجوب الصّلاة

17 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ تارك الصّلاة إن جحدها وهو عالم بوجوبها يكفر، إلاّ إذا كان جاهلا بوجوبها كأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية، أو جزيرة بعيدة عن العلماء‏.‏ وتفصيله في‏:‏ ‏(‏ردّة، صلاة‏)‏‏.‏

الجهل بمبطلات الصّلاة

18 - اختلف الفقهاء هل يعذر من يجهل مبطلات الصّلاة، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ التّكلّم في الصّلاة يبطلها عالما كان المتكلّم أو جاهلاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا تكلّم قليلًا جاهلاً بتحريم الكلام في الصّلاة لا تبطل صلاته إن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، بخلاف من بعد إسلامه وقرب من العلماء لتقصيره بترك العلم‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

قضاء الفوائت المجهولة

19 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من عليه فوائت لا يدري عددها وتركها لعذر وجب عليه أن يقضي حتّى يتّقين براءة ذمّته من الفروض‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه يعمل بأكبر رأيه، فإن لم يكن له رأي يقضي حتّى يتيقّن أنّه لم يبق عليه شيء‏.‏

وأمّا من ترك لغير عذر ففيه خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏قضاء الفوائت‏)‏‏.‏

الجهل بوقت الصّوم

20 - لو اشتبه رمضان على أسير ومحبوس ونحوهما، صام وجوباً شهراً بالاجتهاد، كما في اجتهاده للصّلاة في القبلة ونحوها، وذلك بأمارة كخريف، أو حرّ، أو برد، فلو صام بغير اجتهاد فوافق رمضان لم يجزئه لتردّده في النّيّة، ‏(‏انظر‏:‏ اشتباه ، ف /15 ج /4 ص /296، وصوم‏)‏‏.‏

جماع الصّائم في رمضان جاهلا بالتّحريم

21 - لا كفّارة على الصّائم الجاهل بتحريم الجماع في نهار رمضان إذا جامع على خلاف بين الفقهاء‏.‏ وتفصيله في مصطلح ‏(‏صوم، كفّارة‏)‏‏.‏

جماع محرم جاهلا بالتّحريم

22 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّ الجماع في حالة الإحرام جناية يجب فيها الجزاء، سواء في ذلك العالم والجاهل وغيرهما‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء لا يفسد إحرامه بالجماع ونحو ذلك‏.‏

وقد سبق ذلك في مصطلح ‏(‏إحرام، ف /170 ج /2 ص /190‏)‏‏.‏

الجهل لا يعفي من ضمان المتلفات

23 - اتّفق الفقهاء على أنّ الجهل بكون المال المتلف مال الغير لا يعفيه من الضّمان‏.‏ وتفصيله في مصطلح ‏(‏ضمان‏)‏‏.‏

الحجر على الطّبيب الجاهل

24 - صرّح الحنفيّة بالحجر على المفتي الماجن والطّبيب الجاهل، والمكاري المفلس‏.‏ والطّبيب الجاهل‏:‏ هو من يسقي النّاس دواء مهلكاً، وإذا قوي عليهم المرض لا يقدر على إزالة ضرره‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجر‏)‏‏.‏

طلاق من جهل معنى الطّلاق

25 - لا يقع طلاق من يجهل معنى اللّفظ الدّالّ على الطّلاق‏.‏

قال في المغني‏:‏ إن قال الأعجميّ لامرأته أنت طالق ولا يفهم معناه لم تطلق، لأنّه ليس بمختار للطّلاق فلم يقع طلاقه كالمكره‏.‏ وتفصيله في‏:‏ ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

الجهل بتحريم الزّنى

26 - يعذر الجاهل بتحريم الزّنى إن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء أو كان مجنوناً فأفاق وزنى قبل أن يعلم الأحكام، وعند المالكيّة قولان‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حدود، زنى‏)‏‏.‏

الجهل بتحريم السّرقة

27 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ يد السّارق تقطع - بشرطه - سواء كان عالماً بالتّحريم أم جاهلاً وذهب الشّافعيّة إلى أنّ يد السّارق الجاهل لا تقطع‏.‏ وتفصيله في‏:‏ ‏(‏سرقة‏)‏‏.‏

الجهل بتحريم الخمر

28 - اتّفق الفقهاء على أنّ من شرب الخمر وهو يجهل أنّها خمر لا يحدّ، أمّا إذا شرب الخمر وهو يعلم أنّها خمر لكنّه ادّعى الجهل بالتّحريم ففيه خلاف بين الفقهاء‏.‏

ينظر تفصيله في ‏(‏حدود، سكر‏)‏‏.‏

تولية الجاهل بالأحكام الشّرعيّة القضاء

29 - الأصل فيمن يولّى القضاء أن يكون عالما بالأحكام الشّرعيّة، ويجوز تولية غيره القضاء عند الضّرورة بأن لم يوجد العالم‏.‏ وهناك تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

الجهل بالبيعة للإمام الأوّل

30 - إذا عقدت البيعة لإمامين وجهل السّابق منهما بطل العقد فيهما عند الشّافعيّة‏.‏ وللإمام أحمد روايتان‏.‏ وقد سبق في مصطلح ‏(‏الإمامة الكبرى، وبيعة‏)‏‏.‏

التّلفّظ بكلمة الكفر مع الجهل

31 - قال الحمويّ‏:‏ إنّ من تلفّظ بلفظ الكفر عن اعتقاد لا شكّ أنّه يكفر، وإن لم يعتقد أنّها لفظ الكفر إلاّ أنّه أتى به عن اختيار فيكفر عند عامّة العلماء، ولا يعذر بالجهل‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لا يكفر، والجهل عذر وبه يفتى، لأنّ المفتي مأمور أن يميل إلى القول الّذي لا يوجب التّكفير، ولو لم يكن الجهل عذراً لحكم على الجهّال أنّهم كفّار، لأنّهم لا يعرفون ألفاظ الكفر، ولو عرفوا لم يتكلّموا، قال بعض الفضلاء‏:‏ وهو حسن لطيف‏.‏

وروي أنّ امرأة في زمن محمّد بن الحسن قيل لها‏:‏ إنّ اللّه يعذّب اليهود والنّصارى يوم القيامة، قالت‏:‏ لا يفعل اللّه بهم ذلك فإنّهم عباده، فسئل محمّد بن الحسن عن ذلك فقال‏:‏ ما كفرت فإنّها جاهلة، فعلّموها حتّى علمت‏.‏

وقال في مغني المحتاج‏:‏ يكفر من نسب الأمّة إلى الضّلال، أو الصّحابة إلى الكفر، أو أنكر إعجاز القرآن أو غيّر شيئا منه، أو أنكر الدّلالة على اللّه في خلق السّماوات والأرض بأن قال‏:‏ ليس في خلقهما دلالة عليه تعالى، أو أنكر بعث اللّه الموتى من قبورهم بأن يجمع أجزاءهم الأصليّة ويعيد الأرواح إليها، أو أنكر الجنّة أو النّار، أو الحساب أو الثّواب أو العقاب أو أقرّ بها لكن قال‏:‏ المراد بها غير معانيها، أو قال‏:‏ إنّي دخلت الجنّة وأكلت من ثمارها وعانقت حورها، أو قال‏:‏ الأئمّة أفضل من الأنبياء، هذا إن علم ما قاله لا إن جهل ذلك لقرب إسلامه، أو بعده عن المسلمين فلا يكفر لعذره‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏ردّة‏)‏‏.‏

جهة

التّعريف

1 - الجهة والوجهة لغة، واصطلاحاً‏:‏ الموضع الّذي تتوجّه إليه وتقصده‏.‏ ومن ذلك قولهم ضلّ وجهة أمره، أي قصده، وقلت كذا على جهة الوجوب وفعلت ذلك على جهة العدل، والقبلة جهة، فالجهة كلّ مكان استقبلته وأخذت فيه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الحيّز‏:‏

2 - معنى الحيّز في اللّغة - كما جاء في المصباح - النّاحية كالحوز ويجمع على أحياز والقياس أحواز، وأحياز الدّار نواحيها ومرافقها‏.‏ وجاء في المغرب أنّ الحوز معناه الجمع ومراد الفقهاء به بعض النّواحي كالبيت من الدّار مثلاً‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

ذكر الفقهاء لفظ الجهة وما يتعلّق به من الأحكام في عدد من المواطن نجملها فيما يلي‏:‏

أ - استقبال القبلة في الصّلاة‏:‏

3 - من شروط صحّة الصّلاة استقبال القبلة عند أداء الصّلاة للقادر على ذلك، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏‏.‏

وتفصيل القول في ذلك ينظر في بحث ‏(‏استقبال، قبلة‏)‏‏.‏

ب - ترك استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة‏:‏

4 - ذهب الحنفيّة إلى كراهة استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة سواء أكان ذلك في المباني أم في الصّحراء ‏;‏ لأنّ جهة القبلة أشرف الجهات، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال‏:‏ إنّ الاستدبار لا بأس به ‏;‏ لأنّه غير مستقبل للقبلة‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز ذلك في المباني إلاّ أنّ الشّافعيّة ذكروا أنّ على الشّخص أن يترك ذلك أدبا إلاّ أنّه لا يحرم‏.‏ وألحق المالكيّة بالمباني مراحيض السّطوح، وفضاء المنازل، وفضاء المدن عند وجود السّاتر‏.‏

وأمّا الاستقبال والاستدبار في الصّحراء بلا ساتر فهو حرام اتّفاقاً، وأمّا عند وجود السّاتر فذهب الحنابلة والمالكيّة في قول إلى الجواز، وذهب المالكيّة في قول آخر إلى عدمه‏.‏ وانظر للتّفصيل بحث‏:‏ ‏(‏قضاء الحاجة‏)‏‏.‏

ج - اختلاف القابض والدّافع في الجهة‏:‏

5 - يرجع الحكم في هذه المسألة إلى قاعدة فقهيّة ذكرها الزّركشيّ في المنثور وهي إذا اختلف القابض والدّافع في الجهة أي سبب الدّفع فالقول قول الدّافع، ومن فروعها أنّه لو كان عليه دينان بأحدهما رهن ثمّ دفع المداين دراهم وقال أقبضتها عن الدّين الّذي به الرّهن وأنكره القابض فالقول قول الدّافع، وسواء اختلفا في نيّته أو في لفظه‏.‏

والاعتبار في أداء الدّين بقصد المؤدّي حتّى لو ظنّ المستحقّ أنّه يودعه عنده ونوى من هو عليه الدّين برئت ذمّته وصار المدفوع ملكا للقابض‏.‏

6- ومن الفروع الّتي ذكرها الحنفيّة في اختلاف القابض والدّافع في الجهة أنّه لو بعث لامرأته شيئا فقالت هو هديّة، وقال‏:‏ هو من المهر، فالقول له في غير المهيّإ للأكل، لأنّه المملّك فكان أعرف بجهة التّمليك، كما إذا قال أودعتك هذا الشّيء فقالت بل وهبته لي، وكذا الظّاهر يشهد له، لأنّه يسعى في إسقاط ما في ذمّته إلاّ في الطّعام المهيّإ للأكل كالشّواء، واللّحم المطبوخ، والفواكه الّتي لا تبقى، فإنّ القول قولها فيه استحسانا لجريان العادة بإهدائها فكان الظّاهر شاهداً لها بخلاف ما إذا لم يكن مهيّأ للأكل كالعسل، والسّمن، والجوز واللّوز‏.‏

وذكر المالكيّة في مسائل الرّهن أنّ المرهون إذا وجد في يد الرّاهن وادّعى الرّاهن أنّه دفع الدّين المرهون فيه واستلم الرّهن من مرتهنه وأنكر ذلك المرتهن وادّعى سقوطه منه فإنّه يقضى للرّاهن بدفع الدّين المرهون فيه للمرتهن إن طال الزّمان كعشرة أيّام وإلاّ فالقول للمرتهن‏.‏

وذكر الحنابلة في اختلاف الزّوجين في قدر الصّداق، أو عينه، أو صفته، أو جنسه، أنّه لو دفع الزّوج إليها ألفا، أو دفع إليها عرضا، واختلفا في نيّته، فقال‏:‏ دفعته صداقا، وقالت‏:‏ هبة، فالقول قوله بلا يمين لأنّه أعلم بنيّته‏.‏ وإن اختلفا في لفظه فقالت‏:‏ قد قلت لي‏:‏ خذي هذا هبة أو هديّة، فأنكر ذلك وادّعى أنّه من المهر فالقول قوله بيمينه، لأنّها تدّعي عليه عقدا على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادّعت عليه بيع ملكه لها‏.‏

د - الوقف على جهة‏:‏

7 - يجوز الوقف على جهة لا تنقطع اتّفاقا، كالوقف على الفقراء، وكلفظ صدقة موقوفة، وكموقوفة للّه تعالى، وكموقوفة على وجوه البرّ، لأنّه عبارة عن الصّدقة، وأمّا الجهة الّتي تنقطع فلا يجوز الوقف عليها عند أبي حنيفة ومحمّد، لأنّ حكم الوقف زوال الملك بغير تمليك، وأنّه بالتّأبيد كالعتق، ولهذا كان التّوقيت مبطلا له كالتّوقيت في البيع‏.‏

وقال من عداهما من الفقهاء‏:‏ إذا سمّى فيه جهة تنقطع جاز‏.‏

واختلفوا في ماله إذا انقطعت الجهة على تفصيل يذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

هـ - الجهة في الميراث‏:‏

8 - تطلق الجهة في الميراث ويراد بها السّبب من أسباب الإرث، وهي القرابة، أو النّكاح، أو الولاء، واختلف في التّوريث بجهة الإسلام‏.‏ وتطلق الجهة ويراد بها الانتساب إلى نوع من أنواع الإرث، كجهة الفرض، أو جهة التّعصيب‏.‏

وتطلق الجهة ويراد بها الانتساب إلى جهة من جهات العصوبة، وهي عند الحنابلة والصّاحبين من الحنفيّة ستّ‏:‏ وهي البنوّة، ثمّ الأبوّة، ثمّ الأخوّة، ثمّ بنو الأخوّة، ثمّ العمومة، ثمّ الولاء‏.‏ وعند أبي حنيفة خمس بعدم الاعتداد بجهة بني الأخوّة‏.‏ وتطلق الجهة ويراد بها الانتساب إلى جهة الأب أو جهة الأمّ‏.‏ وفي ذلك تفصيل ينظر في ‏(‏إرث‏)‏‏.‏

و - الوصيّة لجهة‏:‏

9 - تجوز الوصيّة لجهة مشروعة، كجهة القربى، أو عمران المساجد مثلاً، وأمّا جهة المعصية فلا تجوز الوصيّة لها‏.‏

ز - جهات التّبعيّة في الإسلام‏:‏

10 - جهات التّبعيّة في الإسلام اثنتان‏:‏ أن يسلم أحد أبوي الصّغير، وتبعيّته للدّار بأن سبي ولم يكن معه أحد من أبويه إذا أدخله السّابي إلى دار الإسلام، وكذلك اللّقيط في دار الإسلام يكون مسلماً ولو كان ملتقطه ذمّيّاً‏.‏ وعند ابن القيّم‏:‏ اليتيم الّذي مات أبواه وكفله أحد المسلمين يتبع كافله وحاضنته في الدّين ‏(‏ر‏:‏ إسلام‏)‏‏.‏

جواب

التّعريف

1 - الجواب‏:‏ رديد الكلام، والفعل‏:‏ أجاب يجيب‏.‏

والإجابة رجع الكلام، تقول‏:‏ أجابه عن سؤاله، وقد أجابه إجابة وإجاباً وجواباً‏.‏

والإجابة والاستجابة بمعنى، يقال‏:‏ استجاب اللّه دعاءه والاسم الجواب‏.‏

والجواب ما يكون ردّا على سؤال، أو دعاء، أو دعوى، أو رسالة، أو اعتراض ونحو ذلك، والجمع أجوبة وجوابات‏.‏ وجواب القول قد يتضمّن تقريره نحو‏:‏ نعم، إذا كان جوابا لقوله‏:‏ هل كان كذا ونحوه، وقد يتضمّن إبطاله، ولا يسمّى جوابا إلاّ بعد طلب‏.‏

ولا يخرج معناه في الاصطلاح عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإقرار‏:‏

2 - الإقرار‏:‏ الاعتراف بالشّيء، والإخبار بحقّ لآخر، وإخبار عمّا سبق‏.‏

فالإقرار قد يكون جواباً إذا كان بعد طلب، فبينهما عموم وخصوص وجهيّ‏.‏

الرّدّ‏:‏

3 - الرّدّ‏:‏ صرف الشّيء ورجعه، يقال ردّه عن الأمر إذا صرفه عنه، ويقال سلّم فردّ عليه، ورددت إليه جوابه، ورددت عليه الوديعة‏.‏

فالرّدّ يكون جواباً إذا كان بعد طلب، فالرّدّ أعمّ من الجواب‏.‏

القبول‏:‏

4 - قبول الشّيء‏:‏ أخذه، ويقال قبلت الشّيء إذا رضيته، وقبلت الخبر إذا صدّقته‏.‏ ويأتي القبول في العقود جواباً على الإيجاب كقول المشتري‏:‏ اشتريت، جواباً لقول البائع‏:‏ بعتك‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - يختلف حكم الجواب باختلاف موضعه‏.‏ فقد يكون واجباً عينيّاً كجواب المدّعى عليه عن الدّعوى الصّحيحة‏.‏ أو واجباً كفائيّاً كجواب السّلام على جماعة‏.‏

وقد يكون حراماً كجواب المفتي إذا أفتى بما لا يعرف‏.‏

وقد يكون مكروهاً كجواب قاضي الحاجة على من سلّم عليه‏.‏ ويجوز التّوقّف عن الإجابة إن كان في الجواب حرج «كفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع من سأله عن الحجّ‏:‏ أكلّ عام»‏.‏

أنواع الجواب

6 - الجواب يكون بالقول ك ‏(‏نعم‏)‏ أو ‏(‏لا‏)‏ أو بجملة تفيد المطلوب‏.‏

وقد يكون بالكتابة، وبالإشارة من الأخرس، وقد يكون بالفعل‏.‏

ما يتعلّق بالجواب من أحكام

أوّلاً‏:‏ عند الأصوليّين

دلالة الجواب على العموم أو الخصوص‏:‏

7 - الجواب عن السّؤال إمّا أن يستقلّ بنفسه، أو لا يستقلّ‏.‏

فإن كان لا يستقلّ بنفسه بحيث لا يحصل الابتداء به كـ ‏(‏نعم‏)‏ فهو تابع للسّؤال في عمومه وخصوصه‏.‏ وإن كان الجواب يستقلّ بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ كان كلاماً تامّاً ففي إفادته للعموم تفصيل وخلاف يذكر في الملحق الأصوليّ‏.‏

ثانياً‏:‏ عند الفقهاء

الأثر المترتّب على الجواب‏:‏

8 - قد يترتّب على الجواب التزام بما تضمّنه الكلام السّابق _ أي السّؤال _ إذا تعيّن أنّه الجواب ووقع تصديقا للكلام السّابق، لأنّه حينئذ يعتبر إقراراً واعترافاً بما تضمّنه الكلام السّابق، وذلك بناء على قاعدة _ السّؤال معاد في الجواب _ يعني أنّ ما قيل في السّؤال المصدّق كأنّ المجيب المصدّق قد أقرّ به‏.‏

ويتّفق الفقهاء على أنّ ألفاظ ‏"‏ نعم - أجل - بلى‏.‏‏.‏ ‏"‏ تتعيّن جواباً وتصديقاً لما تضمّنه السّؤال، وتكون الإجابة بهذه الألفاظ إقراراً واعترافاً بما جاء فيه، لأنّ هذه الألفاظ من صيغ الإقرار الصّريحة، ولأنّ الجواب بها لا يستقلّ بنفسه‏.‏

أمّا إذا كان الجواب غير ذلك بأن كان ممّا يستقلّ بنفسه ففيه احتمالات الإخبار أو الإنشاء، ويرجع غالبا إلى النّيّة أو إلى القرائن‏.‏

ومن هنا يختلف الفقهاء في اعتباره جواباً ملزماً بما تضمّنه الكلام السّابق أو غير ملزم‏.‏

ومن تطبيقات ذلك ما يأتي‏:‏

1 - في الإقرار‏:‏

9 - أ - إذا قال رجل لآخر‏:‏ لي عليك ألف درهم ثمن مبيع، فقال‏:‏ نعم يكون الجواب بنعم تصديقا لما ادّعى عليه، فهو إخبار بجميع ما ادّعاه المدّعي، لأنّ كلمة نعم من صيغ الإقرار الصّريحة، وقد خرجت جواباً، وجواب الكلام إعادة له لغة، كأنّه قال‏:‏ لك عليّ ألف درهم ثمن مبيع‏.‏

ب - ومثل ذلك ما لو قال‏:‏ أليس لي عندك ألف‏؟‏ فقال‏:‏ بلى، لأنّ بلى جواب عن سؤال بأداة النّفي‏.‏

ج - ومن ذلك أيضا ما لو كان في يد رجل دابّة فقال له رجل‏:‏ استأجرها منّي، أو ادفع إليّ غلّتها، فقال نعم‏.‏

وإن كان الجواب مستقلّا، كما لو قال رجل لآخر‏:‏ لي عليك ألف فقال‏:‏ اتّزن، أو خذ، فعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن عبد الحكم من المالكيّة لا يعتبر إقراراً، لأنّه يحتمل خذ الجواب منّي، أو اتّزن إن كان ذلك على غيري، وهو إقرار عند سحنون من المالكيّة‏.‏

وإن قال في جوابه‏:‏ هي صحاح أو قال خذها‏:‏ أو اتّزنها، فعند الحنفيّة وهو أحد وجهين عند الشّافعيّة والحنابلة يكون إقراراً، لأنّ الهاء كناية عن المذكور في الدّعوى، وفي الوجه الثّاني عند الشّافعيّة _ وهو قول عامّة الأصحاب عندهم _ والحنابلة لا يكون إقراراً، لأنّ الصّفة ترجع إلى المدّعى ولم يقرّ بوجوبه، ولأنّه يجوز أن يعطيه ما يدّعيه من غير أن يكون واجبا عليه فأمره بأخذها أولى أن لا يلزم منه الوجوب‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏إقرار‏)‏‏.‏

2 - في الطّلاق‏:‏

10 - أ - جاء في أشباه ابن نجيم‏:‏ من قال‏:‏ امرأة زيد طالق وعبده حرّ وعليه المشي إلى بيت اللّه الحرام إن دخل هذه الدّار، فقال زيد‏:‏ نعم، كان زيد حالفاً بكلّه، لأنّ الجواب يتضمّن إعادة ما في السّؤال‏.‏ ومن قيل له‏:‏ أطلّقت امرأتك‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، طلقت امرأته وإن لم ينو، لأنّ نعم صريح في الجواب، والجواب الصّريح للّفظ الصّريح صريح‏.‏

ب - وإن كان الجواب مستقلّا كمن طلّق امرأته فقيل له‏:‏ ما فعلت‏؟‏ فقال هي طالق، قال الحنفيّة‏:‏ تطلق واحدة في القضاء، لأنّ كلامه انصرف إلى الإخبار بقرينة الاستخبار، فالكلام السّابق معاد على وجه الإخبار عنه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن نوى الإخبار يلزمه طلقة واحدة اتّفاقاً ‏(‏أي في المذهب‏)‏ وإن نوى إنشاء الطّلاق فيلزمه طلقتان اتّفاقاً، وإن لم ينو إخباراً ولا إنشاء فقولان في لزوم الطّلقة الثّانية‏.‏

ج - وإن كان الجواب إنشاء غير خارج عن الكلام الأوّل، كان الأوّل معاداً فيه، كما لو قال لامرأته‏:‏ أمرك بيدك ونوى الثّلاث فطلّقت نفسها ثلاثاً، أو قالت‏:‏ طلّقت نفسي، أو اخترت نفسي ولم تذكر الثّلاث فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يرجع إلى نيّتها في بيان عدد الطّلقات إذا لم تبيّن العدد في قولها طلّقت نفسي‏.‏

أمّا عند الحنفيّة فيكون ثلاثا ‏;‏ لأنّه جواب تفويض الثّلاث فيكون ثلاثاً‏.‏

د - وقد لا يعتبر الكلام الثّاني جوابا وإنّما يعتبر ابتداء‏.‏

ومثال ذلك لو قالت‏:‏ طلّقني واحدة بألف فقال‏:‏ أنت طالق ثلاثاً، فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وصاحبي أبي حنيفة‏:‏ هذا جواب وزيادة، لأنّ في الثّلاث ما يصلح جوابا للواحدة، لأنّ الواحدة توجد في الثّلاث فقد أتى بما سألته وزيادة فيلزمها الألف، كأنّه قال‏:‏ أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ تقع الثّلاث مجّانا بغير شيء، ووجهه أنّ الثّلاث لا تصلح جوابا للواحدة، فإذا قال ثلاثا فقد عدل عمّا سألته، فصار مبتدئا بالطّلاق، فتقع الثّلاث بغير شيء‏.‏

وقال الزّركشيّ من الشّافعيّة‏:‏ لو قالت‏:‏ طلّقني على ألف فأجابها، وأعاد ذكر المال لزم المال‏.‏ وكذا إن اقتصر على قوله‏:‏ طلّقتك في الأصحّ، كذا ينصرف إلى السّؤال‏.‏ وقيل‏:‏ يقع رجعيّا ولا مال‏.‏ ويرجع في تفصيل ذلك إلى أبوابه في كتب الفقه ‏(‏طلاق وإقرار‏)‏‏.‏

الامتناع عن الجواب‏:‏

11 - الجواب واجب على المدّعى عليه في الدّعوى الصّحيحة بشروطها عند طلب القاضي ذلك منه‏.‏

فإن أقرّ لزمه ما أقرّ به، وإن أنكر طولب المدّعي بالبيّنة، وإن امتنع عن الجواب، فقال‏:‏ لا أقرّ ولا أنكر، أو سكت عن الجواب، فعند المالكيّة وأبي حنيفة والقاضي من الحنابلة يحبس حتّى يقرّ أو ينكر، فإن استمرّ حكم عليه لأنّ امتناعه عن الجواب يعدّ إقراراً‏.‏

وعند الشّافعيّة وأبي الخطّاب من الحنابلة وأحد أقوال المالكيّة يقول له القاضي إن أجبت وإلاّ جعلتك ناكلا وحكمت عليك، ويكرّر ذلك عليه، فإن أجاب وإلاّ جعله ناكلا وحكم عليه، لأنّه ناكل عمّا توجّه عليه الجواب فيه‏.‏

وقال الكاسانيّ من الحنفيّة‏:‏ الأشبه أنّه إنكار، وكذلك جاء في الاختيار من كتب الحنفيّة‏.‏ وممّا يتّصل بذلك الإثم المترتّب على الامتناع عن الجواب الواجب كجواب المفتي والشّاهد، فمن كتم ذلك ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار، واللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ‏}‏‏.‏ وفي ذلك تفصيل انظر‏:‏ ‏(‏فتوى، شهادة‏)‏‏.‏

جوار

التّعريف

1 - الجوار - بكسر الجيم - مصدر جاور، يقال جاور جواراً ومجاورة أيضاً‏.‏

ومن معاني الجوار المساكنة والملاصقة، والاعتكاف في المسجد، والعهد والأمان‏.‏

ومن الجوار الجار، ويطلق على معان، منها‏:‏ المجاور في المسكن، والشّريك في العقار أو التّجارة، والزّوج والزّوجة، والحليف، والنّاصر‏.‏

وقال الشّافعيّ‏:‏ كلّ من قارب بدنه بدن صاحبه قيل له جار‏.‏

وقال الرّاغب‏:‏ الجار‏:‏ من يقرب مسكنه منك، وهو من الأسماء المتضايفة، فإنّ الجار لا يكون جارا لغيره إلاّ وذلك الغير جار له، كالأخ والصّديق‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏:‏ وهو الملاصقة في السّكن أو نحوه كالبستان والحانوت‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالجوار

أ - حدّ الجوار‏:‏

2 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ حدّ الجوار أربعون داراً من كلّ جانب‏.‏

مستدلّين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «حقّ الجار أربعون داراً هكذا وهكذا وهكذا»‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الجار هو الملاصق من جهة من الجهات أو المقابل له بينهما شارع ضيّق لا يفصلهما فاصل كبير كسوق أو نهر متّسع، أو من يجمعهما مسجد أو مسجدان لطيفان متقاربان، إلاّ إذا دلّ العرف على غير هذا الحدّ‏.‏

وحملوا حديث‏:‏ «ألا إنّ أربعين داراً جار» على التّكرمة والاحترام، ككفّ الأذى، ودفع الضّرر، والبشر في الوجه والإهداء‏.‏

وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنّ الجار هو الملاصق فقط، لأنّ الجار من المجاورة وهي الملاصقة حقيقة‏.‏ وقول أبي حنيفة وزفر هو القياس‏.‏

وذهب الصّاحبان ‏"‏ أبو يوسف ومحمّد ‏"‏ إلى أنّ الجار هو الملاصق وغيره ممّن يجمعهم المسجد، لأنّهم يسمّون جيراناً عرفاً وشرعاً، وقولهما استحسان‏.‏

ويؤيّده قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» وجاء تفسيره عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه موقوفاً بمن سمع النّداء، وإذا كان المقصود برّ الجيران فاستحبابه شامل للملاصق وغيره، ولمّا كان لا بدّ من الاختلاط لتحقّق معنى المجاورة كان لا بدّ من اتّحاد المسجد لتحقّق الاختلاط‏.‏

ب - حقوق الجوار‏:‏

3 - جاءت النّصوص الشّرعيّة تحضّ على احترام الجوار، ورعاية حقّ الجار‏.‏ قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا‏}‏‏.‏ فالجار ذو القربى، هو الّذي بينك وبينه قرابة‏.‏ والجار الجنب‏:‏ هو الّذي لا قرابة بينك وبينه‏.‏

أمّا السّنّة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه»‏.‏ وقوله صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ «واللّه لا يؤمن‏.‏ واللّه لا يؤمن‏.‏ واللّه لا يؤمن‏.‏ قيل‏:‏ من يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ من لا يأمن جاره بوائقه»‏.‏

قال ابن بطّال‏:‏ في هذا الحديث تأكيد حقّ الجار لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتكريره اليمين ثلاث مرّات، وفيه نفي الإيمان عمّن يؤذي جاره بالقول، أو بالفعل، ومراده الإيمان الكامل‏.‏ ولا شكّ أنّ العاصي غير كامل الإيمان‏.‏ وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم جاره» هذا واسم ‏(‏الجار‏)‏ جاء في هذا المقام يشمل المسلم، وغير المسلم، والعابد والفاسق، والغريب والبلديّ، والنّافع والضّارّ، والقريب والأجنبيّ، والأقرب داراً والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض‏.‏

قال أحمد‏:‏ الجيران ثلاثة‏:‏ جار له حقّ، وهو الذّمّيّ الأجنبيّ له حقّ الجوار‏.‏ وجار له حقّان‏:‏ وهو المسلم الأجنبيّ له حقّ الجوار، وحقّ الإسلام‏.‏ وجار له ثلاثة حقوق‏:‏ وهو المسلم القريب له حقّ الجوار وحقّ الإسلام وحقّ القرابة‏.‏

وأولى الجوار بالرّعاية من كان أقربهم باباً‏.‏ وإلى هذا أشار البخاريّ حين قال‏:‏ باب‏:‏ حقّ الجوار في قرب الأبواب‏.‏ وأدرج تحته حديث «عائشة رضي الله عنها‏.‏ قالت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي‏؟‏ قال‏:‏ إلى أقربهما منك باباً»

ومن حقوق الجوار ما ذكره الغزاليّ في قوله‏:‏ ليس حقّ الجوار كفّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى، فإنّ الجار أيضاً قد كفّ أذاه، فليس في ذلك قضاء حقّ ولا يكفي احتمال الأذى بل لا بدّ من الرّفق، وإسداء الخير والمعروف‏.‏‏.‏ ومنها‏:‏ أن يبدأ جاره بالسّلام، ويعوده في المرض، ويعزّيه عند المصيبة، ويهنّئه عند الفرح، ويشاركه السّرور بالنّعمة، ويتجاوز عن زلّاته، ويغضّ بصره عن محارمه، ويحفظ عليه داره إن غاب، ويتلطّف بولده، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه‏.‏‏.‏ هذا إلى جملة الحقوق الثّابتة لعامّة المسلمين‏.‏ وقال ابن تيميّة‏:‏ إنّ المجاورة توجب لكلّ من الحقّ ما لا يجب لأجنبيّ، وتحرم عليه ما لا يحرم على الأجنبيّ‏.‏ فيبيح الجوار الانتفاع بملك الجار الخالي من ضرر الجار، ويحرم الانتفاع بملك الجار إذا كان فيه إضرار‏.‏

حفظ حرمة الجار

4 - المراد من هذا الحقّ حفظ حرمة الجار، وستر عياله‏.‏‏.‏ وذلك يكون بالجدار السّاتر وبالنّافذة الّتي لا يطلّ منها الجار على حريم جاره‏.‏

أمّا الجدار السّاتر، فإن لم يكن قائما بين الملكين من قديم، وأراد أحدهما أن يبنيه بالاشتراك مع الآخر ليحجز بين ملكيهما، فامتنع الآخر لم يجبر عليه‏.‏ وإن أراد البناء وحده لم يكن له البناء إلاّ في ملكه خاصّة، لأنّه لا يملك التّصرّف في ملك جاره المختصّ به‏.‏ وهذا كلّه لا يعلم فيه خلاف‏.‏ غير أنّ ابن تيميّة سئل عن بستان مشترك حصلت فيه القسمة، فأراد أحد الشّريكين أن يبني بينه وبين جاره جداراً، فامتنع أن يدعه يبني، أو يقوم معه على البناء‏.‏ فأجاب‏:‏ يجبر على ذلك، ويؤخذ الجدار من أرض كلّ منهما بقدر حقّه‏.‏

فإن كان الجدار قديماً، فهدم، وأراد أحدهما أن يبنيه، وأبى الآخر، فعند الحنفيّة أقوال‏.‏‏.‏ قال بعضهم‏:‏ لا يجبر‏.‏ وقال أبو اللّيث‏:‏ في زماننا يجبر‏.‏ لأنّه لا بدّ أن يكون بينهما سترة‏.‏ وقيل‏:‏ ينبغي أن يكون الجواب على تفصيل‏:‏ إن كان أصل الجدار يحتمل القسمة، ويمكن لكلّ واحد منهما أن يبني في نصيبه سترة‏.‏‏.‏ لا يجبر الآبي على البناء‏.‏

وإن كان أصل الحائط لا يحتمل القسمة على هذا الوجه يؤمر الآبي بالبناء‏.‏

وعن مالك في ذلك روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ لا يجبر الّذي أبى منهما على البنيان، ويقال لطالب البناء‏:‏ استر على نفسك، وابن إن شئت‏.‏

وله أن يقسم معه عرصة الحائط، ويبني فيها لنفسه‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ يؤمر بالبنيان، ويجبر عليه‏.‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ وذلك أحبّ إلينا‏.‏

وإذا كان الجدار لأحدهما وهدمه إضراراً بجاره، فإنّه يقضى عليه بإعادته على ما كان عليه، لأجل أن يستر على جاره‏.‏ وإذا هدم الجدار لإصلاحه أو انهدم بنفسه فلا يقضى على صاحبه أن يعيده، ويقال للجار استر على نفسك إن شئت‏.‏

ويرى الشّافعيّة - في الجديد - أنّه ليس للشّريك إجبار شريكه على عمارة الجدار ولو بهدم الشّريكين، للمشترك لاستهدام أو غيره، لأنّ الممتنع يتضرّر بتكليفه العمارة، والضّرر لا يزال بالضّرر‏.‏ وقيل‏:‏ إنّ القاضي يلاحظ أحوال المتخاصمين فإن ظهر له أنّ الامتناع لغرض صحيح أو شكّ في أمره لم يجبره، وإن علم أنّه عناد أجبره‏.‏

قال في الرّوضة‏:‏ ويجري ذلك في النّهر، والقناة، والبئر المشتركة، واتّخاذ سترة بين سطحيهما‏.‏ ولو هدم الجدار المشترك أحد الشّريكين بغير إذن الآخر لزمه أرش النّقص لا إعادة البناء، لأنّ الجدار ليس مثليّا، وعليه نصّ الشّافعيّ في البويطيّ وإن نصّ في غيره على لزوم الإعادة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه إن كان الجدار الّذي انهدم مشتركا وطالب أحدهما شريكه الموسر ببنائه معه أجبر المطلوب على البناء معه‏.‏ وأمّا في السّطح، فإنّ الحنفيّة قد ذهبوا إلى أنّ من كان سطحه، وسطح جاره سواء، وفي صعوده السّطح يقع بصره في دار جاره، فللجار أن يمنعه من الصّعود ما لم يتّخذ سترة‏.‏ وإن كان بصره لا يقع في دار جاره، ولكن يقع على جيرانه إذا كانوا على السّطح لا يمنع من ذلك‏.‏

قال الإمام ناصر الدّين‏:‏ هذا نوع استحسان، والقياس أن يمنع‏.‏

وقال الصّدر الشّهيد‏:‏ إنّ المرتقي يخبرهم وقت الارتقاء مرّة أو مرّتين حتّى يستروا أنفسهم‏.‏ وعند المالكيّة يجبر صاحب السّطح على أن يتّخذ سترة تحجبه عن جاره، وعند الشّافعيّة لا يجبر على ذلك‏.‏

وعند الحنابلة يمنع الجار من صعود سطحه إذا كان ينظر حراماً على جاره، ولذلك فإنّه يلزم باتّخاذ سترة إذا كان سطحه أعلى من سطح جاره‏.‏

فإن استويا في العلوّ اشتركا في بنائها، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر بالسّترة فلزمتهما‏.‏

5- وأمّا النّافذة‏:‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يمنع صاحب العلوّ من فتح باب، أو كوّة تطلّ على ساحة الجار‏.‏ وليس للجار حقّ المنع من ذلك‏.‏

وإنّما عليه أن يبني ما يستر جهته، وهو ظاهر الرّواية‏.‏ وقال أبو السّعود‏:‏ وبه يفتى‏.‏ وقيل‏:‏ إن كانت الكوّة للنّظر، وكانت السّاحة محلّ الجلوس للنّساء يمنع‏.‏ وذكر ابن عابدين أنّ عليه الفتوى‏.‏ وإن كان ارتفاع النّافذة عن أرض الغرفة مقدار قامة الإنسان، فليس للجار أن يكلّفه سدّها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى منع فتح نافذة يشرف منها الجار على دار جاره، فإن فتح شيئاً من ذلك تعيّن سدّه‏.‏ وحدّ الإشراف هو ما روي أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كتب في رجل أحدث غرفة على جاره، ففتح كوّة‏:‏ أن يوضع وراء تلك الكوّة سرير، ويقوم عليه رجل فإن كان ينظر إلى ما في دار الرّجل منع من ذلك وإن كان لا ينظر لم يمنع من ذلك‏.‏

أمّا النّافذة القديمة، فإنّه لا يقضى بسدّها‏.‏ في قول الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يمنع المالك من فتح نافذة ونحوها ولو كان يشرف بذلك على حريم جاره، لتمكّن الجار من دفع الضّرر عن نفسه ببناء سترة تستره‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ النّافذة والباب، ونحوهما ممّا يشرف الجار منه على حريم جاره يقضى بسدّه‏.‏ وإلاّ فلا‏.‏

أثر الجوار في تقييد التّصرّف في الملك

6 - من أحكام الملك التّامّ أنّه يعطي المالك ولاية التّصرّف في المملوك على الوجه الّذي يختار، كما يمنع غيره من التّصرّف فيه من غير إذنه ورضاه، وهذا لا يكون إلاّ عندما يخلو الملك من أيّ حقّ عليه للآخرين‏.‏

ولكن هذا الحكم قد يقيّد بسبب الجوار لتجنّب الإضرار بالجار‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في تقييد الملك لتجنّب الإضرار بالجار‏.‏

فذهب المالكيّة والحنابلة والحنفيّة فيما عليه الفتوى عندهم إلى أنّ المالك لا يمنع من التّصرّف في ملكه إلاّ إذا نتج عنه إضرار بالجار، فإنّه يمنع عندئذ مع الضّمان لما قد ينتج من الضّرر‏.‏ وقيّد الحنفيّة والمالكيّة الضّرر بأن يكون بيّناً، وحدّ هذا الضّرر عندهم أنّه‏:‏ كلّ ما يمنع الحوائج الأصليّة يعني المنفعة الأصليّة المقصودة من البناء كالسّكنى، أو يضرّ بالبناء أي يجلب له وهنا ويكون سبب انهدامه‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ كلّ واحد من الملّاك له أن يتصرّف في ملكه على العادة في التّصرّف، وإن تضرّر به جاره أو أدّى إلى إتلاف ماله، كمن حفر بئر ماء أو حشّ فاختلّ به جدار جاره أو تغيّر بما في الحشّ ماء بئره، لأنّ في منع المالك من التّصرّف في ملكه ممّا يضرّ جاره ضرراً لا جابر له فإن تعدّى بأن جاوز العادة في التّصرّف ضمن ما تعدّى فيه لافتياته‏.‏ والأصحّ‏:‏ أنّه يجوز للشّخص أن يتّخذ داره المحفوفة بمساكن حمّاماً وطاحونة ومدبغة وإصطبلا وفرنا، وحانوته في البزّازين حانوت حدّاد وقصّار ونحو ذلك كأن يجعله مدبغة، إذا احتاط وأحكم الجدران إحكاماً يليق بما يقصده لأنّه يتصرّف في خالص ملكه وفي منعه إضرار به‏.‏ والثّاني‏:‏ المنع للإضرار به‏.‏

ولمزيد من التّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تعلّي، وحائط‏)‏‏.‏

حكم الانتفاع بالجدار بين جارين

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الشّريك في الجدار المشترك ينتفع بمقدار نفع شريكه، وليس له أزيد من ذلك إلاّ برضاء شريكه‏.‏

أمّا الجدار المملوك لأحد الجارين فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز للجار أن ينتفع بجدار جاره إلاّ بإذنه ولا يجبر عليه، وهو شامل لجميع صور الانتفاع كالبناء وفتح كوّة وغرز خشبة ونحوه‏.‏ لحديث‏:‏ «لا يحلّ لامرئ من مال أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس» ولأنّه انتفاع بملك غيره بغير إذنه‏.‏

ولكن يندب لصاحب الجدار تمكين جاره من الانتفاع به لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره»‏.‏ والمفتى به عند الحنفيّة ومذهب الشّافعيّ في القديم ورواية عن أحمد وقول القاضي أبي يعلى وأبي الخطّاب وابن قدامة من الحنابلة أنّه يجوز للجار أن ينتفع بجدار جاره ويجبر مالكه على تمكينه من ذلك بشرط عدم الإضرار بالجدار وبشرط قيام الحاجة إليه لحديث أبي هريرة المتقدّم‏.‏ وللشّافعيّة في القديم تفصيل في الشّروط وهي‏:‏ أن يستغني صاحب الجدار عنه، وأن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدران، وأن لا يبني عليه سقفاً، وأن تكون الأرض له وأن لا يملك شيئا من جدران البقعة الّتي يريد تسقيفها، أو لا يملك إلاّ جداراً واحداً‏.‏

وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ارتفاق‏)‏ ‏(‏وحائط‏)‏‏.‏

أثر الجوار في ثبوت حقّ الشّفعة

8 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّفعة لا تثبت إلاّ للشّريك غير المقاسم فلا يستحقّ الجار الشّفعة ‏;‏ لأنّ الحدود في حقّه قد قسمت، والطّرق قد صرفت، وما شرعت الشّفعة إلاّ لدفع ضرر الشّركة، وهو معنى منتف في الجار‏.‏

واستدلّوا بحديث جابر رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فلا شفعة»‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الشّفعة تثبت للجار الملاصق‏.‏ لحديث قتادة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «جار الدّار أحقّ بالدّار» ولحديث عمرو بن الشّريد عن أبيه «أنّ رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلاّ الجوار فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ الجار أحقّ بسقبه ما كان»‏.‏ وهذا اللّفظ صريح في إثبات الشّفعة لجوار لا شركة فيه‏.‏

كما استدلّوا بحديث أبي رافع رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الجار أحقّ بصقبه» والصّقب هو القرب‏.‏ واستدلّوا من المعقول بأنّ الجوار في معنى الشّركة، لأنّ ملك الجار متّصل بملك جاره اتّصال تأبيد وقرار، والضّرر المتوقّع في الشّركة متوقّع في الجوار، فيثبت حقّ الشّفعة للجار دفعاً لضرر الجوار قياساً على الشّركة‏.‏

حقّ الجوار في المسيل

9 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا كان لجار حقّ المسيل على ملك جاره فليس لمن عليه حقّ المسيل أن يمنع جاره من هذا الحقّ‏.‏ وفي ذلك تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏ارتفاق، ومسيل‏)‏‏.‏

حقّ الجوار في الطّريق

10 - المراد من هذا الحقّ معرفة ما لجوار الطّريق عليه، ويقسّم الفقهاء الطّريق إلى نوعين‏:‏ طريق نافذة وطريق غير نافذة، وحقّ الجوار في كلّ منهما مغاير للآخر‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏طريق‏)‏‏.‏

حقّ الجوار في النّهر

11 - المراد به ما ينشأ للجوار على النّهر، وما للنّهر على الجوار، بسبب الجوار‏.‏

وإنّ مدار هذا الحقّ مبنيّ على نوعي الأنهار العامّة والمملوكة‏.‏

ولجار النّهر العظيم، كدجلة، والفرات، أن يسقي أرضه، ودوابّه، وينصب على النّهر دولابا ويشقّ نهراً إلى أرضه لسقايتها، لأنّ هذه الأنهار ليست ملكا لأحد‏.‏

ويجوز له غرس شطّه على وجه لا يضرّ بالمارّة ولمن شاء من المسلمين أن يطلب رفع ذلك‏.‏ وعلى الجار أن يمكّن النّاس من حقّ المرور على شطّ النّهر العامّ للسّقي، وإصلاح النّهر‏.‏ وليس له أن يمنعهم إذا لم يكن لهم طريق إلاّ من هذه الأرض‏.‏

أمّا النّهر المملوك، وكذلك الآبار والحياض المملوكة، فإنّ للجار أن يشرب من الماء، ويسقي دوابّه وهو ما يسمّى حقّ الشّفة، كما أنّ له أن يتوضّأ منه، ويغتسل، ويغسل ثيابه، ونحو ذلك‏.‏ وليس له أن يسقي أرضه، وشجره‏.‏ وبهذا قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ ويجبر عند المالكيّة على البذل إن كان لجاره زرع أنشأه على أصل الماء، وانهدمت بئر زرعه وخيف عليه الهلاك من العطش، وشرع في إصلاح بئره، فإن تخلّف شرط من هذه الشّروط لم يجبر، وفي قبض ثمن الماء قولان، والمعتمد عندهم أنّه يجبر على بذل الماء مجّاناً، ولو وجد مع الجار الثّمن‏.‏ ولمزيد من التّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نهر‏)‏‏.‏

جوار المسكن الشّرعيّ

12 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ من شروط شرعيّة المسكن الزّوجيّ أن يقع بين جيران صالحين، وتأمن فيه الزّوجة على نفسها‏.‏ والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏بيت الزّوجيّة‏)‏‏.‏

مجاورة الذّمّيّ للمسلم

13 - لا يمنع الذّمّيّ من مجاورة المسلم لما فيه من تمكينه من التّعرّف على محاسن الإسلام وهو أدعى لإسلامه طواعية‏.‏

ويمنع من التّعلّي بالبناء على بناء المسلم، وهو ليس من حقوق الجوار وإنّما من حقّ الإسلام، ولذا يمنع منه وإن رضي المسلم به لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الإسلام يعلو ولا يعلى»، ولما في التّعلّي من الإشراف على عورات المسلمين‏.‏

وقيّده الشّافعيّة - في الأصحّ - بما إذا لم يكونوا مستقلّين بمحلّة منفصلة عن عمارة المسلمين بحيث لا يقع منهم إشراف على عوراتهم ولا مجاورة عرفاً‏.‏

وقيّد الحلوانيّ من الحنفيّة جواز المجاورة بأن يقلّ عددهم بحيث لا تتعطّل جماعات المسلمين، ولا تقلّ جماعتهم بسكناهم بينهم في محلّة واحدة‏.‏

وينظر في التّفصيل مصطلح‏:‏ ‏(‏أهل الذّمّة‏)‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏تعلّي‏)‏‏.‏